الرّضاعة الطّبيعية... هل تقي من الحساسية؟
دور الحليب الطبيعي في الوقاية من الحساسية
الحليب الطبيعي هو من دون منازع مصدر فوائد لا تحصى لكل الأطفال، بحيث يحتوي على مجموعة متنوّعة من المواد المناعية الناشطة (من خلايا دفاعية وأنزيمات)، إلى جانب مكوّنات مضادة للالتهابات والجراثيم أثبتت الدراسات عبر السنين قدرتها على حماية أجسام الصغار الهشّة من أمراض الطفولة والتهاباتها والتأثير في وظائفها المناعية على المدى الطويل.
ولهذا توصي المنظمات المهنية والحكومية الناشطة في المجال الطبي حول العالم، وتؤيّد ضرورة الرضاعة الطبيعية الحصرية للأطفال حتى الشهر السادس، فالرضاعة المكمّلة (مع الأطعمة الصلبة الملائمة) حتى العام الأول أو أكثر، إذا أمكن.
أما بالنسبة إلى قدرة الحليب الطبيعي أو حليب الأم على وقاية الأطفال من الحساسية، فيبقى أمراً مثيراً للجدل، ومرد ذلك إلى اختلاف المنهجيات التي تتبعها لغاية اليوم الدراسات ذات الصلة، والتركيبة المناعية المعقّدة للحليب الطبيعي، هذا بالإضافة إلى الاختلافات الجينية بين طفل وآخر والتي يمكن أن تشكك في ما إذا كان دور الرضاعة هو فعلاً وقائياً أو مثيراً للحساسية وأمراضها.
ولكن بحسب دراسة طويلة الأمد صدرت في هذا الخصوص عام 1982، فإنّ الرضاعة الطبيعية تخفّف من احتمالات الإصابة بالحساسية الغذائية عند الأطفال ولغاية مرحلة المراهقة، بطريقتين:
الأولى هي بكل بساطة، عدم تعرّض الأطفال الذي يرضعون الحليب من أثداء أمهاتهم إلا للقليل القليل من المواد المثيرة للحساسية، أقله خلال الأشهر الستة الأولى بعد الولادة. فهؤلاء لا يتغذون من الفورمولا المصنّع من الحليب البقري أو منتجات الصويا، وهذا ما يجعلهم أقل عرضة للحساسية في مراحل لاحقة من حياتهم.
والثانية، لها علاقة بالأجهزة المناعية للأطفال. فعند الولادة، يكون الجهاز المناعي للطفل غير مكتمل النمو. وبعد أن كان يعتمد في الأحشاء على المضادات الحيوية التي تمنحه إياها أمه عبر المشيمة، يبدو أنّ الجهاز الهضمي (الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من جهازه المناعي) لا يزال غير قادر على استيعاب مواد أخرى سوى حليب الأم. ومن هنا أهمية رضاعته حصرياً وطبيعياً حتى الشهر السادس، أي إلى حين يصبح جهازه المناعي قادراً على إنتاج المضادات الموجودة في كل إفرازات الجسم والتي تعتبر أولى الخطوط الدفاعية إزاء المواد الغريبة والمؤذية التي يمكن أن تنقضّ عليه في أي وقت.
باختصار، يعتمد الطفل على حليب أمه كوسيلة حماية. فاللبأ أو الحليب الأول، غني بالمضادات الحيوية بما فيها الغلوبولين المناعي أ الذي يرسم غطاء حماية داخل أمعاء الطفل ليمنع دخول أي مواد مستأرجة غير مستحبة. أما الحليب الناضج، فيستمر في توفير الحماية له من الداخل حتى يبقى بعيداً عن الأمراض والحساسية.
وصحيح أنّ الدلائل على ارتباط الرضاعة الطبيعية بوقاية الأطفال من الحساسية لا تزال غير كافية، إلا أنّ تشجيع الأمهات على هذه التجربة الفريدة يبقى أمراً أساسياً لاسيما أنّ الإحصائيات عامةً تشير إلى انخفاض معدل الإصابة بالحساسية في أوساط الأطفال الذين يرضعون الحليب الطبيعي مقارنةً بأقرانهم الذي يتناولون الحليب الصناعي أو الفورمولا.
مقالات ذات صلة